تحريم الأغاني(1)
الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير الورى ، صلوات الله وسلامه عليه ما تعاقب الصباح والمساء ، وعلى آله وأصحابه أهل العفاف والتقى ، وعنا معهم بمنك وكرمك ، يا من يعلم السر والنجوى . . . أما بعد :
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى ، " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ " ، " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ " .
أيها المسلمون : عندما يقف أحدنا أمام إشارة المرور يأخذه الفضول أحياناً ، والغيرة على الدين غالباً ، ورأفة وشفقة بأولئك الشباب الذين هم في غفلة معرضون ، وعن الدين غافلون ، وفي الذنوب غارقون ، وهم يترنمون في سياراتهم حول شريط غنائي ماجن ، يغضب الرحمن ، ويرضي الشيطان ، ويعجب الكفار أعداء الإسلام ، والعجب كل العجب عندما ترى سيارة تتراقص بمن فيها ، في حركات بهلوانية عجيبة مستقاة ومرتضعة من بلاد الكفر والضلال ، ارتضاه شباب الإسلام فأدى بهم للانحلال ، والاضمحلال ، شباب تائهون ، شباب لاهون ، شباب غافلون ، فيا شباب الأمة ما هذه الغرائب ، وما تلك العجائب ، أين أنتم يا أحفاد خالد بن الوليد ، وصلاح الدين ، هل أنتم في سكرتكم تعمهون ، أم ماذا تفعلون ، إنك ترى أولئك الأحفاد على الأرصفة يتراقصون وفي الشوارع يلعبون وفي البيوت نائمون ، والمسلمون في مشارق الأرض ومغاربها للعذاب والاضطهاد يتعرضون ، فسبحان الله أما لشباب الإسلام والعروبة عقولاً بها يفكرون ، وقلوباً بها عن إخوانهم يسألون ، أم هي الغفلة والسراب البقيعة . عجيب جد عجيب ذلك التيه والغفلة المهلكة ، عندما ترى سيارة يقودها صاحبها ، ببطء شديد ، وصوت الأغاني يُسمع من بعيد ، مساكين أولئك الشباب يعصون الله جهرة ، تتمايل رؤوسهم يمنة ويسرة ، نسوا العذاب ، وغفلوا عن العقاب ، لا خوف من الله ، ولا حياء من عباد الله ، إنَّ نظرات الناس من حولهم نظرات احتقار وازدراء ، ونظرات استهجان وبغضاء .
أيها المسلم : كيف يمن الله عليك بوافر النعم ، وتقابل ذلك بالكفر والنكران ، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان ، لئن شكرتم لأزدينكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ، قال صلى الله عليه وسلم : " كل أمتي معافى إلا المجاهرين " [ متفق عليه ] ، فالله تبارك وتعالى يسترك ، يريد معافاتك ، وأنت تفضح نفسك أما الله وأمام خلق ، تريد عذابك ، فأولئك ربما حق عليهم العذاب لمجاهرتهم بمعصية الله عياناً بياناً . فيا عجباً من الناس ، يبكون على من مات جسده ، ولا يبكون على من مات قلبه . فكم هم أحياء الأجساد أموات القلوب اليوم . فللقلب حياة كما أن للجسد حياة ، فكما أن الأطعمة المسمومة تضر بالجسد ، فكذلك المعاصي تضر بالقلب ، ومن أعظم المعاصي سماع الأغاني ، فهذا شاب كان يسير بسيارته ، مترنماً حزيناً مرة ، ومنتشياً مشتاقاً مرات ، عند سماعه لشريط غنائي ، ويتمايل نشوة وطرباً ، ففقد السيطرة على سيارته فانقلبت به عدة مرات ، والتأمت عليه ، واحتضنته بين حديدها ، ولا زال يردد الأغنية ، فهرع الناس لإنقاذه وإسعافه ، ولكن هيهات هيهات ، فالله تعالى يقول : " ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون " ، فحانت الوفاة ، وحضر الأجل ، فأخذوا يلقنونه شهادة التوحيد والنجاة ، ولكن كيف يقولها وهو لم يعرفها ، كيف ينطق بها ولم يستيقنها قلبه ، لقد كان يردد الأغنية بكل فصاحة ، أما شهادة التوحيد فقد لجم لسانه عنها ، إنه سوء الخاتمة والعياذ بالله ، فمات وهو يردد الأغنية ، فإنا لله وإنا إليه راجعون . قال تعالى : " ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذاباً صعداً " ، وقال تعالى : " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء " .